حققت مجلة بوردا- مجلة الموضة الألمانية - شعبية كبيرة ونجاحاً واسعاً على مستوى العالم. وأهم ما ساعد على انتشار هذه المجلة هي فكرة "الباترون" أو "نموذج التفصيل" الذي يمكن أن تتبعه النساء لتفصيل هذه الموديلات بأنفسهن، وهو ما جعل تفصيل أحدث الموديلات في متناول الجميع، كما جعل دار نشر مجلة بوردا واحدة من أوائل دور النشر الألمانية التي تصل إلى العالمية. هذه الفكرة كانت فكرة السيدة آن بوردا، التي تمثل اليوم رمزاً من رموز فترة ما بعد الحرب، وتعتبر علامة في تاريخ ألمانيا، حيث أنها إحدى النساء القليلات اللاتي أثرن في تحقيق المعجزة الاقتصادية الألمانية. وهو ما أكده الرئيس الألماني هورست كولر، في خطاب له أنهاا كانت امرأة عظيمة، استطاعت بإبداع وحسن تفكير أن تحول الموضة لظاهرة شعبية في متناول الجميع. كما وصفها رئيس وزراء ولاية بادن فورتمبورج بأنها امرأة قوية، مليئة بالحيوية، وبأنها بعملها الدءوب وأفكارها السباقة تعتبر مثلاً يحتذى في عصرنا هذا
"من لا يستطيع شراء الملابس باهظة الثمن، يجب على الأقل أن يتمكن من صنعها بنفسه، أنا أريد توفير هذه المعلومات والقدرات التي تمكنه من ذلك، فهناك الكثير من النساء المهتمات بالموضة ولكن ليس لديهن الإمكانيات للشراء، أحاول أن أجعل الموضة العادية البسيطة في متناول الجميع" كانت هذه فكرتها من إنشاء أول مجلة للموضة العالمية. وربما كان لنشأة أنا بوردا الفقيرة دورها في إيجاد فكرة هذه المجلة. فقد عرفت آنا الفقر و بساطة العيش، منذ أن ولدت في 28 يوليو/تموز عام 1909 في مدينة أوفنبورج، وكان والدها يعمل سائق قاطرة. تعلمت في مدرسة للراهبات، بعدها اتبعت تدريباً تجارياً في محطة لتوليد الكهرباء. وفي عام 1930 تزوجت آنا من الناشر فرانز بوردا، وأنجبت ثلاثة أولاد، تفرغت طويلاً لرعايتهم وتربيتهم.
مشوار عملي طويل
ومن خلال المجتمع البسيط الذي عاشت وسطه، تعلمت الشابة الصغيرة، المحبة للجمال والفن، أن الموضة باهظة الثمن في متناول قلة من الأغنياء في المجتمع، ففكرت أن يكون مشروعها العملي هو تحويل الموضة إلى منتج شعبي. وفي عام 1949 بدأت مشوارها العملي كناشرة، بمساعدة زوجها الذي اشترى لها أحد دور نشر مجلات الموضة، كان يعمل به آنذاك 48 موظف. وعملت الزوجة وحدها على تطوير هذا الفرع الخاص بالموضة.
مجلة بوردا بالروسية: أول مجلة غربية في الاتحاد السوفيتي
وتقول عن هذه الفترة: "بعد تأسيس الشركة، لم يساعدني زوجي بشكل مباشر، وأنا لم أرغب في مساعدة مباشرة منه، ولكنه كان موجوداً وكنت أعرف أنه سيتدخل إذا ما حدث أمر خطر."
وظهرت مجلة بوردا لأول مرة في عام 1950، بعدها بعامين ظهرت "الباترون" مع المجلة، و ظهرت " بوردا للموضة العالمية" "مطبخ بوردا" ، كما تبعتها مجلات أخرى في السبعينات والثمانينات وهي "كارينا" و"آنا" و"فيرا" وغيرها من الطبعات الخاصة لأعمال التريكو والعرائس وزينة أعياد الميلاد وملابس المدارس للأطفال. واستمر تطور المجلة ونجاحها حتى أصبحت أهم مجلات الموضة العالمية، تتداولها النساء في أكثر من مئة بلد شهرياً، ليتعرفن على كيفية تفصيل ملابسهم بأشكال مختلفة، وعلى طرق جديدة لطهي طعامهم، ووصل عدد النسخ التي تباع في أنحاء العالم في منتصف الثمانينات إلى أكثر من خمسة ملايين نسخة. وقبل سقوط سور برلين، حققت بوردا المعادلة الصعبة، ووصلت إلى روسيا كأول مجلة غربية تدخل الاتحاد السوفيتي في عام 1987 ومنذ ذلك الحين وهي تعد إحدى أهم المجلات بها. "الموضة ليست لغة عالمية فقط، لكنها أيضاً لغة ذات قدرة على مستوى العالم" هكذا تبرر صاحبة المجلة انتشارها في العالم
تميزت آنا بوردا ببساطتها وتواضعها بالرغم من نجاحها الكبير، لم تغير سيارتها الصغيرة من طراز الفولكس فاجن . ولم يكن عملها بدار النشر هو نشاطها الوحيد، إذ كانت بوردا تهتم أيضاً بالشباب، وتدعم طلبة المعاهد عبر مؤسستين تابعين لدار بوردا، كما كانت تدعم أيضاً كبار السن في مدينتها، فأنشأت لهم عدد من المنازل المجهزة لاستقبالهم.
وبعد سنين طويلة من العمل الشاق، قررت آنا أن تسلم إدارة دار نشر آنا بوردا إلى أبنائها. وانضمت دار النشر إلى المؤسسة الأم مؤسسة بوردا الإعلامية، ويتولى إدارتها اليوم ابنها هوبرت. واتجهت آنا، التي تعودت على النشاط والدأب، إلى هوايتها الأولى وهي الرسم.
في آخر احتفال كبير، حيث احتفلت بعيد ميلادها السادس والتسعين مع أسرتها وأصدقائها. وبالرغم من كبر سنها، بدت صاحبة مجلة الموضة الكبرى في أحسن حال، وعبرت عن سر شبابها الدائم قائلة: "سأكشف لكم السر: أعتقد أن العمل الذي تقوم به بشكل دائم، وبحماس هو مفتاح العمر الطويل".
وقد عاشت آنا طويلاً، تمتعت بحياتها وحققت نجاحاً على كل المستويات العملية والاجتماعية والإنسانية، وحصلت على العديد من الجوائز التقديرية، كما أطلقت مدينتها أوفنبورج اسمها على أحد شوارعها في العام الماضي احتفالاً يعيد ميلادها الخامس والتسعين، وتوفيت سيدة الأناقة في هدوء في منازلها، وسط أسرتها، في المدينة التي ارتبطت بها دائماً.